لأي سبب يُعثر على صاعق للتفجير، أمس، في منطقة المنارة، ثم تخرج «الوكالة الوطنية للإعلام» بخبر يقول إن الصاعق عُثر عليه في منطقة الدالية - الروشة؟ حتى في الحروف لا مكان للخطأ المطبعي، منارة، دالية، روشة، فما حكاية هذه الخفّة في نقل الخبر؟ لولا مصدر أمني مسؤول، اتصلت به «الأخبار» مساء أمس، لظل خبر «الوكالة» على حاله: «صاعق معد للتفجير في الدالية». كأن الدالية تنقصها خفّة، أو كأن تلك المنطقة - الحيّز العام، ينقصها من يأتي ليقضي عليه تماماً، حتى لا يعود الناس يتوجهون إلى هناك للسباحة والتنزه، فتخلواعندها تماماً لحيتان البناء والاستثمار!
كان من حق أحد المواطنين أن يقول، أمس، إن الدالية أصبحت منطقة خطرة، وبالتالي علينا ألا نتوجه إلى هناك. هل ثمة من يلومه على خوفه؟ خبر يأتي من «الوكالة الوطنية» بالصيغة المرعبة، كما ورد، كفيل بأن يوضع في خانة الحرب التي تُشن على المساحات العامة وحق الناس في التمتع بالواجهة البحرية لبلادهم. الخطأ، في حالات كهذه، يُصبح ممنوعاً. هنا تنطبق تماماً مفردة «الخطأ القاتل». كل هذا على افتراض حسن النية، لكن، في المقابل، ثمّة من عبّر عن رأيه أمس على مواقع التواصل الاجتماعي، لناحية احتمال أن يكون ذكر الدالية، زوراً، إنما يرمي إلى «تخويف الناس وعدم توجههم يوم الأحد المقبل إلى هناك، حيث تقيم الحملة الأهلية للدفاع عن الدالية تجمعاً، للأسبوع الثالث على التوالي».
في قاع الدالية
مياها ضحلة جوفية صلبة وقيعانا ناعمة
خلال الأسبوع الماضي، نقلت «الأخبار» عن رئيس بلدية بيروت، بلال حمد، أن السياج الذي سيُجت به منطقة الدالية «طبيعي وعادي، لأن تلك أملاك خاصة، ولأنه لا صلاحية للبلدية لتفعل شيئاً هنا، وأن أصحاب الأرض يمكنهم منع الناس من التوجه إلى هناك لو أرادوا». عنونت «الأخبار» يومها «أيها اللبنانيون... الروشة لم تعد لكم» (http://al-akhbar.com/node/207144). كثيرون تفاعلوا مع القضية، وانهالت الاتصالات من أشخاص تعنيهم الدالية والروشة عموماً، لكن جل هؤلاء كانوا من الذين لا يبادرون إلا إلى «الأسى». أما الفعل، على الأرض، فلا شيء يذكر. في الواقع الجمعيات والناشطون من مختلف التوجهات كانوا الغائب الأكبر، أمام ابتلاع واجهة بيروت البحرية. تُرى هل لأنه ليس للدالية من يموّل الدفاع عنها «مدنياً»؟ أيعقل أن بعض الجمعيات ما عادت تتحرك، في قضايا حساسة اجتماعيا وبيئياً، مثل قضية الدالية، إلا إذا قررت جهة أجنبية منحها التمويل اللازم؟ ما الذي يحتاج إليه الأمر أكثر من التوجه إلى تلك المنطقة، ورفع الصوت لتسمع الدولة، إن لم نقل الجهات المستثمرة، لكي تتحرك وتبادر إلى استملاك تلك المنطقة، وبالتالي لتبقى ساحة عامة للمواطنين؟ صمت غير مفهوم.
لولا «الحملة الأهلية» لما كان هناك من يستمر في الدعوة لنزول الناس إلى الدالية، لكنّ القائمين على الحملة قلة، بادروا من تلقاء أنفسهم، فيما يبقى الرهان على حشود إضافية ومنابر أخرى. أين الحريصون على البيئة، والدالية كنز بيئي، بشهادة الاختصاصيين؟
حتى إعلامياً كان التفاعل باهتاً، خلال الأشهر الماضي، ما كان يحصل هناك، وما زال يحصل. ثمّة ما يدفع المتابع لهذه القضية إلى الريبة مما يحصل. كأن الجميع سلموا بـ»الأمر الواقع».
انطلاقاً من هنا، تصر «الحملة الأهلية» المذكورة على تشجيع الناس على الحضور إلى الدالية، باستمرار، بهدف تثبيت حقهم في الحيّز العام. ولهذا السبب تدعو المواطنين إلى النزول إلى الدالية يوم الأحد المقبل، ابتداء من الساعة 3:30 عصراً، وذلك «لتبقى دالية الروشة مساحة عامة، نعترض بشأن السياج والأسلاك، على وقع الطبول الذي تتخلله أنشطة الرسم والألعاب البهلوانية والحكواتي مع الأطفال». وتضيف «الحملة» في منشورها: «الجميع مدعو إلى التعبير عن رفض تسييج الدالية، وتشويه معالمها، عبر تدخلات على طول السياج الممتد من مدخل السيارات عند الموفنبيك حتى مدخل المشاة، مقابل صخرة الروشة».
يُذكر أن منطقة الدالية، عند الشاطئ الصخري هناك، المتصل بصرخة الروشة، هي بحسب دراسة لـ»الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة» ووزارة البيئة: «بيئة ساحلية مهمة للتنوع البيولوجي، التاريخي والسياحي. إن الطبيعة الفيزيائية لتلك المنطقة تتضمن منحدرا كلسيا وقائمتين مكونتين من مواد صخرية، إضافة إلى ذلك، نجد في قاع الدالية مياها ضحلة جوفية صلبة وقيعانا ناعمة، التي تخلق مواطن بحرية وساحلية منوعة.
ان مزيج العناصر الفيزيائية والبحرية والساحلية للدالية، يؤمن مصدرا أساسيا للرمل، ويخدم في تخزين الغذاء ويعد مرعى حيويا للأسماك.
إن وفرة الرواسب في المنطقة تدعم مجموعة متنوعة من النباتات الميكروسكوبية والحيوانات المختبئة، إضافة الى الكهوف التي تُمثّل أهمية ايكولوجية فائقة، وذلك لكونها منبتا لمختلف الكائنات البحرية وأنظمة ايكولوجية أخرى». كل هذا، وسواه مما لم يحك عنه بعد، هو ما تريد المشاريع الاستثمارية طمسه وإقامة «الباطون» مكانه... هكذا بكل بساطة.